دلائل وجود الحب بين الزوجين
سؤال يتبادل دائمًا الزوجة والزوجة:
ما معنى الحب؟ وكيف أعرف أن الطرف الآخر في الحياة الزوجية يحبني؟
معنى الحب:
الحب ببساطة شديدة هو الميل إلى الآخر،
وعندما يشعر أحد الزوجين أن الآخر يميل إليه فإنه يسمع منه رسائل غير منطوقة:
- أنت مهم بالنسبة لي، فسأعتني بك وأحميك.
- أنا مهتم بما تواجه في الحياة،
وسأكون رهن إشارتك عندما تحتاج إليَّ.
وكبرى الوسائل التي تجعل شريك حياتك يعرف أنك تهتم به هي الحنان،
وهو الوسيلة الأساسية التي يذكر بها كلٌّ منكما الآخر أنه يهتم به، وسيعتني به ويحبه.
والحنان يرمز إلى الأمان والحماية، والراحة والاستحسان،
والاسترخاء، وهذه هي المكونات الأساسية لأية علاقة مبهجة.
(والميل والحنان عند معظم النساء هو رابط أساسي لعلاقتها بالرجل،
فهي تتزوج رجلًا يهتم بها، وتريد منه أن يعبِّر عن هذا الاهتمام دائمًا،
وبدون هذا الإحساس وهذه العاطفة فإن المرأة تشعر بأنها بعيدة عن الرجل،
وهذه العاطفة تجعل المرأة متعلقة ومرتبطة بالرجل عاطفيًّا جدًّا.
والخلاصة أن حاجة الشعور بميل الطرف الآخر كتعبير عن الحب هي في الأكثر من حاجات الزوجات،
ولكنها أيضًا يحتاج إليها الأزواج، وإن كان التعبير عنها يختلف)
[ادفعي زوجك نحو النجاح، عادل فتحي عبد الله، ص(49)، بتصرف يسير].
للحب برهان:
والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه: هل يظهر الميل القلبي والحنان في سلوكيات يلمسها الأزواج؟
نعم، هناك مظاهر للميل القلبي والحنان بين الأزواج يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1- الصبر عند إعسار الزوج:
فقد يكون الزوج فقيرًا، أو قد يكون غنيًّا موسرًا ثم تصيبه فاقة،
فماذا تفعل الزوجة في هذه الأحوال؟
إن صبرها على إعسار زوجها ومساندتها له لهو مظهر من مظاهر الميل القلبي والحنان.
وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كان زوجها فقيرًا،
وكانت تساعده في أعمال البيت، وتعلف الفرس وتنقل النوى؛
فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت:
(كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ)
[رواه البخاري].
مشاركة ومساندة:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة،
فقال: (أيها الناس تصدقوا)، فمرَّ على النساء، فقال:
(يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار)،
فقلن: (وبم ذاك يا رسول الله؟)،
قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات
عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) ثم انصرف.
فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه،
فقيل: (يا رسول الله، هذه زينب)، فقال: (أي الزيانب؟)،
فقيل: (امرأة ابن مسعود)، قال: (نعم، ائذنوا لها) فأذن لها،
قالت: (يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة،
وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به،
فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم)،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)
[رواه البخاري].
2- الصبر عند مرض الزوجة:
فلابد للزوج من الصبر على مرض الزوجة وعدم التبرم من خدمتها،
فكثيرًا ما صبرت عليه وتحملت مرضه،
وحتى لو لم يأخذ الأمر شكل المقابلة والمعاملة بالمثل،
فهناك بُعد إنساني يفرض ذلك على الزوج،
والأهم من ذلك أن الحياة الزوجية تقوم على أساس المودة والبذل لإسعاد الآخر.
3- استرضاء كلٍّ منهما الآخر بالمباح:
ولا أبلغ في الاستدلال على ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أطلع السيدة عائشة أُم المؤمنين رضي الله عنها على لعب الحبشة،
فعن عائشة قالت:
(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة
يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم،
فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو)
[رواه البخاري].
ولا ينسى كل من طالع سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
أنه كان يسابق زوجته عائشة، عن عائشة رضي الله عنها
أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر،
قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني،
فقال: (هذه بتلك السبقة)
[صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (2323)].
وإن كانت كبيرة فهي تحتاج إلى بعض اللهو والمداعبة والمشاركة في المباحات،
فإنه من أجمل التعبير عن الحنان.
4- عدم مفاجأة الزوجة عند القدوم من السفر وإبلاغها موعد حضوره:
فعن جابر بن عبد الله وهو راجع من غزوة قال النبي صلى الله عليه وسلم له:
(ما يعجلك؟)،
قلتُ: (كنت حديث عهد بعرس)،
قال: (أبكرًا أم ثيبًا؟)،
قلت: (ثيبًا)،
قال: (فهلَّا بكرًا تلاعبها وتلاعبك)،
قال: فلما ذهبنا لندخل،
قال: (أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا [أي عشاءً]؛
لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)
[متفق عليه].
وقد حكت لي إحداهن، أن زوجها سافر وقد نوى المبيت،
فنامت الزوجة بملابس البيت العادية وبدون أن تمشط شعرها ولا تضع عطرًا،
وبعد قليل من نومها اتصل بها زوجها وقال لها:
أنا راجع من السفر وأنا في الطريق،
فقامت الزوجة بسرعة ولبست وتعطرت ومشطت شعرها
ووضعت رتوشًا رقيقة من الزينة لتستقبل زوجها القادم من السفر.
فكيف الحال لو لم يتصل الزوج بها؟! فإنه فعلًا أحسن التصرف،
وهي أيضًا أحسنت التصرف بعد معرفتها بقدومه.
5- أن يقدم الزوج أمور زوجته على كثير من أموره:
وقد فعل ذلك صحابي حتى في الأمور التعبدية، فقدَّم حج امرأته على جهاده،
ورعاية زوجته المريضة على الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم)،
فقال رجل:
(يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج)،
فقال: (اخرج معها)
[رواه البخاري].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنما تغيب عثمان عن بدر،
فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه)
[رواه البخاري].
وأنا أعرف زوجة كانت في شهرها التاسع من الحمل على وشك الولادة في أي وقت،
وأراد زوجها السفر،
وبعد خروجه ومعه حقيبة السفر بوقت قصير رجع وقد اشترى لها عشاء جاهزًا،
فلن تتصوروا مدى فرحة الزوجة برجوع زوجها،
وقد ذكر لها السبب أنه خاف عليها أن تلد وهو غير موجود بجانبها،
فعرفت من خلال هذا الموقف مدى حبه وحنانه عليها.
الحب يزيد وينقص:
(الحب في الحياة الزوجية يزيد وينقص مع المواقف،
فلا توجد زوجة محبوبة على طول الوقت أو مكروهة كذلك؛
ولهذا فإن الله تعالى جعل أصل التعامل بين الزوجين قائمًا على المودة،
وهي قمة التعبير عن الحب وعلى الرحمة؛ يقول تعالى:
{مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
[الروم: 21].
فإن ضعفت المودة، وقلَّ الحب بقيت الحقوق محفوظة
وظلت المروءات قائمة، فيكون إطار التعامل بين الزوجين الرحمة.
فإما مودة من منطلق الحب، أو رحمة إذا قل الحب،
ولم يشترط الله تعالى الحب عندما أمر الرجال بإعطاء الحقوق للنساء؛
فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]،
بل وبجانب المعروف وعند الكره تكون الوصاية أعظم؛
قال تعالى:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ
فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}
[النساء: 19].
فأنت إن أحببتها لا تحتاج إلى من يوصيك بالمعروف،
وإن كرهتها فإن الله ينبهك أن خزائنه ممتلئة،
ومفاتيحها أن تعامل زوجتك ـ وإن كرهتها ـ بالمعروف،
وعندها قد يجعل الله فيها خيرًا كثيرًا)
[أوراق الورد وأشواكه، د.أكرم رضا، ص(210-211)].
خطوات عملية لجعل الحب حيًا بين الزوجين:
1- ساعدي زوجك بالمال إن احتاج؛ فذلك من علامات الحب والحنان.
2- اصبر على مرض زوجتك وفي الأوقات الحرجة عندها؛
مثل الحمل والولادة وأثناء الحيض.
3- تنازل وافعل ما يسر شريكك الآخر في الأمور المباحة.
4- فليطعم كلٌّ منكما الآخر في فمه؛ فذلك من دلائل الحب والحنان بينكما.
5- التوازن في الإقبال والتمتع، وهذه وسيلة مهمة،
فلا يُقبل على الآخر بدرجة مفرِطة، ولا يمتنع عن صاحبه بالكلية،
وفي الإفراط في الأمرين إعدام للشوق والمحبة،
وقد ينشأ من هذا الكثير من المشاكل في الحياة الزوجية.
6- التفاعل بين شريكي الحياة في وقت الأزمات؛
كأن تمرض الزوجة أو تحمل فتحتاج إلى عناية حسية ومعنوية،
أو يتضايق الزوج بسبب ما؛ فيحتاج إلى الدعم المعنوي.
المصادر:
·ادفعي زوجك نحو النجاح، عادل فتحي عبد الله.
·أوراق الورد وأشواكه، د.أكرم رضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق